منتدى

منتدى "فلسطين" يناقش عزل غزّة عن العالم… كيف استُخدم قطع الإنترنت كسلاح وهل ستُحاسَب إسرائيل؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مع استمرار حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزّة، وتصاعد العزلة الرقمية على سكانه، وفي ظلّ انهيار ما تبقّى من بنى تحتية تكنولوجية، ينطلق اليوم الثلاثاء 20 أيار/ مايو 2025، منتدى "فلسطين" للنشاط الرقمي، في دورته الجديدة، ليضع الحقوق الرقمية الفلسطينية في صدارة النقاش، ويطرح تساؤلات حاسمةً حول استعادة الوصول الرقمي، والحق في الوصول إلى المعلومات، وحرية التجمع عبر الإنترنت، وغيرها من التحديات التي تواجه الفلسطينيين، ولا سيّما في غزّة.

المنتدى، الذي يجمع 60 متحدثاً من فلسطين والعالم، يناقش واقع الحقوق الرقمية تحت نيران الحرب، ويضع على الطاولة ما يُمكن تسميته بـ"الإبادة الرقمية" التي يتعرض لها قطاع غزّة بفعل التدمير المنهجي للاتصالات، وحذف المحتوى، وخنق الأصوات الفلسطينية. 

لن يكتفي المنتدى برصد الأضرار فحسب، بل يضع على الطاولة رؤى وإستراتيجيات للمساءلة، بغية إعادة بناء البنية التحتية الرقمية، والدفاع عن الحقوق الأساسية للفلسطينيين في الفضاء الرقمي

"سيجتمع الضيوف في جلسات حوارية محورية، تضمّ خبراء في القانون الدولي، ووزراء وأطباء ميدانيين وصحافيين وناشطين ومهندسي برمجيات -منهم وزير الاتصالات والاقتصاد الرقميّ في الحكومة الفلسطينية د. عبد الرزاق النتشة، والمقررة الخاصة في الأمم المتحدة إيرين خان، وأستاذ الطب في مناطق الصراع د. غسان أبو ستة- بهدف بحث آثار الحصار الرقمي، وسبل مقاومة الرقابة الرقمية، وإعادة تمكين المجتمعات من رواية قصصها، ومناصرة قضاياها، والتواصل مع العالم"، يؤكد جلال أبو خاطر، مدير دائرة المناصرة في مركز "حملة". 

وستُطرح في المنتدى الذي ينظمه المركز العربي لتطوير الإعلام الاجتماعي "حملة"، ملفات المساءلة الدولية، ودور القانون الإنساني وشركات التكنولوجيا، والأدوار الملقاة على عاتق المجتمع الدولي في منع العزلة الرقمية التي تُفاقم من حجم الإبادة في غزّة.

"يهدف المنتدى هذا العام إلى التأكيد على أنّ الوصول إلى الإنترنت والحقوق الرقمية ليس رفاهيةً، بل ضرورة إنسانية، وحقّ أساسي يتيح ممارسة باقي الحقوق، بالإضافة إلى الدور الحيوي للتكنولوجيا في أوقات الأزمات، من حيث التوثيق والمناصرة والتنظيم المجتمعي، ونقل صوت الضحايا إلى العالم"، تقول زينة أبو ستة، مسؤولة التواصل في "حملة"، لرصيف22.

الشركات الكبرى والاستهداف الرقمي للفلسطينيين

يطمح المنتدى إلى إعادة بناء البنية التحتية الرقمية في غزّة، عبر الضغط على شركات التكنولوجيا لاحترام الحقوق الرقمية الفلسطينية، وفق ما تصرّح به أبو ستة، بالإضافة إلى تعزيز أدوات الأمان الرقمي، والسعي نحو دمج الحقوق الرقمية في مسارات الحماية الإنسانية والمحاسبة الدولية.

"كما يسلّط المنتدى الضوء على مسألة التواطؤ الداخلي لبعض شركات التكنولوجيا الكبرى مع سياسات القمع والتمييز، من خلال استضافة المهندسة ابتهال أبو السعد، لتروي تجربتها العملية داخل شركة مايكروسوفت"، تضيف أبو ستة.

وتتابع: "سنخصص مساحات تفاعليةً داخل جدول أعمال المنتدى يكون فيها النقاش معمقاً حول مسؤولية الموظفين والأطر الداخلية في مساءلة سياسات الاستهداف الرقمي، والكشف عن ممارسات تقوّض العدالة والحقوق".

وكان المركز قد أصدر، بعد مرور عام على حرب الإبادة على غزّة، تقريراً بعنوان "الحقوق الرقمية الفلسطينية… الإبادة الجماعية ومسؤولية شركات التكنولوجيا الكبرى"، كشف فيه أنّ "بعض المنصّات تجني أرباحاً ماليةً من خلال نشر محتوى إعلاني تحريضي وضارّ، وذلك بعد الكشف عن أن منصة فيسبوك التابعة لشركة ميتا، نشرت إعلانات هادفةً تدعو إلى اغتيال أفراد، والطرد القسريّ للفلسطينيين من الضفة الغربيّة إلى الأردن". 

بالإضافة إلى "كشف عدم امتثال سياسات الإعلانات على منصة يوتيوب، لمعايير حقوق الإنسان المعمول بها، فقد روّجت وزارة الخارجية الإسرائيلية على هذه المنصة إعلانات عن الحرب القائمة على قطاع غزّة، روّجت فيها دعايتها الموجهة لجمهور المنصة في فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة، بمبلغ قدره 7.1 مليون دولار خلال أسبوعين منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، مخالفةً بذلك سياسات الشركة نفسها".

ويستعرض أبو خاطر، إستراتيجيات دعم الحقوق الرقمية في فلسطين التي يعتمد عليها مركز "حملة"، وهي الرصد والتوثيق من خلال الرصد الحر والطلب من المستخدمين تزويدهم بحالات الانتهاكات، بما فيها حذف المحتوى أو إغلاق الحسابات أو الابتزاز أو العنف الرقمي، ومن ثم التواصل مع الشركات العالمية لحماية حقوق الأفراد.

حتى قبل حرب الإبادة، لم تسمح إسرائيل لغزّة إلا باستخدام تكنولوجيا الجيل الثاني، ما جعلها من أكثر المناطق المحاصرة رقمياً في العالم

وفي حديثه إلى رصيف22، يشدد أحمد القاضي، مدير دائرة الرصد والتوثيق في "حملة"، على أهمية استثمار جهود المنتدى في توفير شبكة أمان للناشطين الداعمين للقضية الفلسطينية حول العالم، خاصةً بعد رصد انتهاكات جسيمة بحقهم، لا تقتصر على الحذف والإزالة والتقييد، إنما تصل إلى الاعتقال أو الفصل من العمل وإجراءات تأديبية أخرى، كما حدث مؤخراً في الولايات المتحدة الأمريكية.

نحو المساءلة وإعادة الإعمار

يشير أبو خاطر، إلى أنه من المتوقع أن يخرج المنتدى بحزمة توصيات مهمة، على صعيد تمكين الناشطين من بناء حملات ضغط ومناصرة داعمة للرواية الفلسطينية، تكون مؤثرةً في البيئة الرقمية، مؤكداً على أنّ المنتدى لا يكتفي برصد الأضرار فحسب، بل يضع على الطاولة رؤى وإستراتيجيات للمساءلة، بغية إعادة بناء البنية التحتية الرقمية، والدفاع عن الحقوق الأساسية للفلسطينيين في الفضاء الرقمي".

ويوضح أبو خاطر، أنّ المنتدى سيتناول محاور حساسةً تشمل تدمير البنية التحتية الطبية والاتصالية، والتحديات التشريعية، وممارسات الرقابة والمنصات الرقمية، والحقوق الرقمية للنساء والمجتمعات المهمّشة، بالإضافة إلى آليات المحاسبة في عصر الذكاء الاصطناعي.

وفي إشارة إلى دوره العملي، يضيف أبو خاطر: "نطمح إلى أن يكون هذا اللقاء منصّةً لوضع خريطة طريق عملية من أجل إعادة إعمار قطاع الاتصالات في فلسطين، وتحقيق العدالة الرقمية لسكان غزّة، وتحفيز ضغط دولي لمساءلة الشركات والحكومات المتورطة في تقويض هذا الحق".

ويلفت أبو خاطر، إلى أن المنتدى سيتوجه إلى الأمم المتحدة وبعض الخبراء من أجل الحصول على الاستشارة وتشكيل تحالفات، في إطار التوجه إلى الشركات التكنولوجية لتذكيرها بالتزاماتها تجاه القانون الدولي. 

كما يسعى المركز إلى ضمان شفافية الرد على الطلبات الفلسطينية المتعلقة بإبداء توضيحات وتفسيرات حول حذف المحتوى الفلسطيني بناءً على طلبات الحكومة الإسرائيلية، وتوضيح إجراءات الأتمتة الخاصة بالحذف على مستوى واسع النطاق.

وكان مركز "حملة"، في تقرير سابق له بعنوان "البنية التحتية للاتصالات في قطاع غزّة: تقييم الأضرار والأثر الإنساني"، قد جاء على تصوّر إعادة إعمار البنية المُدمّرة. فاقترح سيناريو متوسط المدى يهدف إلى عودة الوضع الذي كان قائماً قبل الحرب عبر زيادة كمية الوقود المخصص لمزوّدي خدمة الاتصال "البعاديّ"، عن طريق الأمم المتحدة ومنظمات إنسانية أخرى، وإعادة تخصيص موارد شبكات الهواتف المحمولة، من أجل ضمان التلبية الإنسانية الفورية. 

كما اقترح سيناريو طويل المدى، يشمل إعادة إعمار البنية التحتية للهواتف المحمولة، وتوزيع الألياف البصرية على المنازل المدمرة، وزيادة مرونة قطاع التكنولوجيا والاتصالات بواسطة تعميم الطاقة المتجددة، وتخزين الطاقة الكهربائية. 

الاتصالات كأداة للقتل والسيطرة

ولعلّ المحو الممنهج للبنية التحتية للاتصالات في غزّة، أثّر قبل كتم الصوت والصورة والحقوق الرقمية، على حيوات الناس والجرحى الذين فقدوا حياتهم نتيجة عدم تمكّنهم من الوصول إلى أجهزة الطوارئ. 

وفي السياق، يشير أحمد القاضي، إلى أن المنتدى سيناقش مسألة الآثار السلبية لانقطاع خدمات الاتصالات والإنترنت على جهود العاملين في المجال الطبي والإغاثي، وقطع نداءات استغاثة المدنيين خلال الحرب، وكيف فاقم ذلك من عرقلة جهود الإنقاذ والاستجابة الإنسانية، وتعتيم للمضامين الإعلامية التي كان من الممكن أن تكشف عن أماكن الاستهداف. 

بالإمكان ملاحقة إسرائيل أو الشركات المتورطة أمام المحكمة الجنائية الدولية أو بموجب الولاية القضائية العالمية في بعض الدول، لكن هل يعيق الدعم السياسي لإسرائيل وضعف الإرادة الدولية، تحقيق العدالة؟

ويشير القاضي، إلى أنّ "حملة"، قد وثّق انقطاع الاتصالات لأكثر من 15 مرةً منذ تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بالإضافة إلى سوء خدمات الإنترنت وتدمير البنية التحتية، ما أدى إلى بلوغ نسبة الوصول إلى الإنترنت إلى أقل من 20% من نسبتها قبل الإبادة.

"بجانب الرقابة على المحتوى الفلسطيني والتركيز على خطاب الكراهية من قبل منصات إسرائيلية، تُستخدم الاتصالات والذكاء الاصطناعي بهدف القتل والاغتيال"، يضيف القاضي.

لكن لا يبدو أنّ مسألة سلب الفلسطينيين حقوقهم في الاتصالات، مسألة حديثة بدأت عند حرب الإبادة. ففي تقرير لشبكة السياسات الفلسطينية، أكدت الأخيرة على أن "إسرائيل لم تسمح لشركات الاتصالات في الضفة الغربية باستخدام تكنولوجيا الجيل الثالث قبل عام 2018، وتكنولوجيا الجيل الرابع في مطلع 2023. أما غزّة، فلا تزال حبيسة الماضي. إذ لا يسمح النظام الإسرائيلي لها إلا باستخدام تكنولوجيا الجيل الثاني، ما يجعلها من أكثر المناطق المحاصرة رقمياً في العالم". ثم تفاقمت هذه التحديات الرقمية وتحولت إلى أزمة كارثية منذ حرب الإبادة.

من يحاسب إسرائيل؟

من الناحية القانونية، يناقش المنتدى مسألة تحمّل إسرائيل مسؤولياتها القانونية عن الإبادة الرقمية في غزّة، وتدمير القطاع التكنولوجي، ومسؤولياتها كقوة احتلالية في حماية البنية التحتية المدنية، ولا سيّما قطاع الاتصالات والإنترنت.

تؤكد الدكتورة ميس قنديل، الباحثة والمتخصصة في القانون الدولي، على أنّ تدمير البنية التحتية الرقمية في غزة يشكّل انتهاكاً لاتفاقيات جنيف الرابعة، خاصةً إذا استُهدفت دون تمييز أو تَناسب.

وتضيف قنديل، في حديثها إلى رصيف22: "يلزم مبدأ التمييز في القانون الدولي الإنساني أطراف النزاع بتوجيه الهجمات إلى الأهداف العسكرية فحسب، بينما تحظر القواعد العرفية (7 و54)، استهداف أو تدمير البنية المدنية أو تقويض فائدتها، خاصةً إذا كانت ضروريةً لبقاء السكان".

"في حالة غزّة، ألحق استهداف شبكات الاتصالات والإنترنت بشكل واسع، ضرراً مفرطاً بالمدنيين، ما يُخالف مبدأ التناسب، الذي يمنع أي هجوم يتسبب في خسائر مدنية غير متناسبة مع الفائدة العسكرية المتوقعة"، تضيف قنديل. 

وتشدد على عدم وجود أي مبرر قانوني لقطع خدمات الإنترنت، الذي تستخدمه إسرائيل كسلاح حرب وعقاب جماعي، وهو بمثابة هجوم إلكتروني يؤدي إلى إيذاء المدنيين وعرقلة الإغاثة ويمنع الوصول إلى معلومات حيوية كالمعلومات عن المناطق الآمنة. 

بيدَ أنّ قنديل، تؤكد على أنه بالإمكان ملاحقة إسرائيل أو الشركات المتورطة أمام المحكمة الجنائية الدولية أو بموجب الولاية القضائية العالمية في بعض الدول، عادّةً أنّ الدعم السياسي لإسرائيل وضعف الإرادة الدولية يعيقان تحقيق العدالة.

وتطالب قنديل، بضرورة تحويل هذا الانتهاك إلى ملف قانوني متكامل، من خلال توثيق الأضرار وجمع الأدلة التقنية والشهادات، عبر التعاون مع خبراء قانونيين، والضغط على الدول لمحاسبة الشركات المتورطة، وخلق حراك حقوقي مُنسّق يتجاوز الإدانة، نحو التقاضي والمساءلة.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image