جلسات ليزر في المنزل…

جلسات ليزر في المنزل… "التجميل" الرخيص مادياً والمكلف صحياً بلا رقيب في العراق

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الاثنين 2 يونيو 202502:49 م

جَذَبَ إعلان على فيسبوك، ريم علي (32 عاماً، اسم مستعار بناءً على رغبتها)، من النجف، إلى جلسات ليزر (إزالة الشعر)، للجسم والمناطق الخاصة في إحدى المجموعات الخاصة بالنساء. ما شجّع ريم، على أن تتواصل مع المعلِنة، هو أنّ هذه الجلسات تتمّ "في المنزل". وبحسب ريم، فإنّ زوجها وعائلته يمنعونها من زيارة المراكز المتخصّصة لأسباب تتعلق بـ"تفكيرهم البدائي، وخوفهم مما يسمعونه عن وضع كاميرات لتصوير النساء والفتيات في هذه المراكز وهنّ عاريات وابتزازهنّ أو فضحهنّ لاحقاً".

تضيف ريم، لرصيف22: "كانت فرصةً رائعةً أن أتخلّص من الشعر في المناطق الحساسة، والسعر كان مناسباً؛ 15 ألف دينار عراقي (10 دولارات تقريباً). فكّرت في أن أجمع أموال كل جلسة من المصروف اليومي للمنزل".

عدوى وتشوّه وأضرار نفسية لـ"الباحثات عن الجمال" في العراق، بسبب مراكز التجميل غير المرخصة وجلسات إزالة الشعر في المنزل، والسلطات تكتفي بإغلاق بعضها بين الحين والآخر

بعد أربعة أشهر من الخضوع لهذه الجلسات، شعرت ريم، بحكّة قوية في المهبل يرافقها احمرار. تقول بلهجتها العراقية: "انتشر الفالول وتشوّهت المنطقة"، تقصد ريم بـ"الفالول" الثآليل، ويُشار بها طبّياً إلى نمو حميد (ليس سرطانياً)، لكتل صغيرة على سطح الجلد، يحدث نتيجة الإصابة بعدوى فيروسية.

ترى ريم أنّ "الخطأ الفادح" الذي ارتكبته بعد ظهور هذه الثآليل، كان استمرارها في الخضوع لجلسات الليزر المنزلية، وهو ما تسبّب في تفاقم ظهورها ونمو أحجامها. وعقب زيارة الطبيبة النسائية، أكّدت لها الإصابة بالثآليل، قائلةً إنها تحتاج على الأقل إلى "أشهر عدة من العلاج، وبعض هذه الكتل الكبيرة الحجم بحاجة إلى استئصال بالليزر".

وبحسب طبيبة النسائية والتوليد مها الصكبان، فإنّ الثآليل يستغرق علاجها عادةً أسابيع أو أشهراً عدة، وقد تعود إلى الظهور بعد العلاج، ومنها ما يختفي تماماً، مضيفةً أنّ من بين طرائق العلاج الاستئصال والكيّ الكهربائي والتجميد. كما تلفت إلى أنّ الوقاية من الثآليل التناسلية هي الخيار الأفضل، وذلك عبر تناول لقاح فيروس الورم الحليمي البشري.

انتشار مقلق لمراكز "التجميل الرخيص"

وتنتشر المئات من صالونات التجميل غير المرخصة، والتي تقدّم خدماتها في أماكن غير مجهّزة أو في المنازل حسب الطلب، في جميع أنحاء العراق في غياب رقابة رسمية، بما يهدّد صحة "الباحثات عن الجمال" ويتسبّب في تشوّهات وأضرار نفسية وصحية متكرّرة.

وكان مجلس الوزراء العراقي قد شكّل، بموجب الأمر الديواني رقم 23455، في 22 أيار/ مايو 2023، لجنة مراقبة وتفتيش على المراكز والعيادات الصحية والتجميلية والصيدليات ومذاخر الأدوية غير المرخصة في عموم البلاد.

تقدّم اللجنة ووزارة الصحة، بين حين وآخر، قوائم بأسماء مراكز غير مجازة وأخرى مرخّصة لكن تُرتكب فيها مخالفات، إلى وزارة الداخلية ليتم إغلاقها. وفي هذا السياق، كان وزير الصحة صالح الحسناوي، قد صرّح، في مؤتمر صحافي أواخر عام 2023، بتقديم وزارته قائمةً بـ72 مركزاً من هذه المراكز للإغلاق.


لكن أعداد المراكز غير المرخصة التي يتم إغلاقها، تظل قليلةً بالقياس إلى مجموع تلك المراكز، إذ كشف رئيس لجنة الصحة والبيئة النيابية، ماجد شنكالي، في تموز/ يوليو 2024، عن وجود ما بين 900 إلى 1000 مركز تجميل غير مرخص غالبيتها في العاصمة بغداد، مقابل نحو 100 مركز تجميل مرخص.

ويبقى التدخّل الحكومي في هذه المسألة ضعيفاً جداً وقاصراً عن إغلاق أعداد منها بين حين وآخر. لكن المراكز العشوائية التي لا تراعي الاشتراطات، تكثر في المناطق الفقيرة والعشوائية، وتالياً لا تمتلك السلطات إحصاء دقيقاً بأعدادها وأماكن انتشارها.

حوادث متكرّرة

من ضحايا المراكز هذه أيضاً، نجلاء (34 عاماً، اسم مستعار)، من النجف وتحديداً قضاء الكوفة. وجدت الشابة العراقية نفسها جليسة المنزل لمدة شهر، وتم تأجيل موعد زفافها، بسبب اختيارها صالوناً قريباً من منزلها يوفّر جلسات إزالة الشعر بالليزر بسعر مخفّض مقارنةً بالمراكز المعروفة. تقول لرصيف22: "تشوّهت المنطقة الحسّاسة واحترقت وبدأ الجلد يتقشر".

وتضيف أنها بعد الحروق وتغيّر لون الجلد، استشارت صاحبة الصالون فأرسلت إليها صنفاً من أصناف "الكريمات" لاستخدامه، لكنه "فاقم المشكلة، وبعد زيارتي الطبيبة اتضح أنّ بشرتي حساسة وجهاز الليزر غير معقّم، ما أدى إلى حدوث حروق في المنطقة والتهابات جلدية حادّة، والمرهم الذي تم استخدامه ربما يكون منتهي الصلاحية أو تعبئته/ طريقة حفظه غير ملتزمة بالاشتراطات الصحية".

تتابع حديثها وتصف ما تعانيه، قائلةً: "لا أغادر غرفتي، لا أستطيع القبض على أفخاذي طول الوقت. أضع الكريم العلاجي الذي وصفته الطبيبة مع تهوية المنطقة المصابة، أشعر بحرقة قوية وقد تدمّرت نفسيتي".

وتختم حديثها محذرةً الفتيات: "لا تغتررن بالأسعار الزهيدة على حساب جودة المكان… حذاري".

بدورها، تعبّر الأخصائية النسائية، نور علي، عن غضبها واندهاشها مما وصل إليه الحال، الذي تصفه بـ"الفوضى، فيومياً تزورني في المستشفى وفي عيادتي الخاصة العديد من حالات تشوّهات الجلد والحروق والأمراض الجنسية المعدية بسبب استخدام أجهزة الليزر من قبل أشخاص غير مرخّص لهم".

وبحسب الطبيبة العراقية، فإنّ أجهزة الليزر استخداماتها عديدة، منها إزالة الشعر حيث تهدف إلى إتلاف بصيلات الشعر وإضعاف نموها، أو تفتيح البشرة وغيرها من الاستخدامات التجميلية. وتضيف: "الحالة التي ترغب في إجراء جلسة الليزر تحتاج إلى استشارة طبيب قبل الشروع فيها لمعرفة نوع البشرة وإلى كم جلسة تحتاج، وضرورة توافر الخبرة والمعرفة بالطريقة التي يتم بها استخدام جهاز الليزر والتعقيم".

تعقيم أجهزة الليزر حتميّ

تؤكد الطبيبة نور، أنّ أجهزة الليزر قد تتسبب في انتقال العدوى من شخص إلى شخص إذا لم يتم تعقيمها بشكل كافٍ ومستمر. 

وإجراءات التعقيم التي تنصح بها الطبيبة، تتمثّل في تعقيم الجهاز بشكل جيد من بداية قبضته إلى مخرج الإشعاع، لأنه يكون الأقرب إلى البشرة وقت الاستخدام، بالإضافة إلى استخدام القفازات الواقية وتغييرها بشكل دائم وفوري، والتأكد من نظافة المكان وتعقيمه باستمرار.

تقول طالب: "نستقبل في مركزنا عشرات الحالات المتضررة نفسياً بسبب ضربات الليزر الخطأ التي تؤدي إلى نتائج عكسية مثل اسمرار البشرة وتغيّر لونها… لكن غالبية النساء لا يُكملن العلاج، لأنّ من يخضعن للّيزر في صالونات غير مرخصة غالباً ينتمين إلى طبقات فقيرة، فيكتفين بالاستشارة ولا يعُدن لمتابعة الجلسات"

وتنصح أيضاً، بأن يتم تبديل الغطاء المطاطي في فوهة الجهاز في كل مرة يتم فيها استخدام الليزر، لأنه يكون قد لامس الجلد، ولا سيّما في ظل وجود أنواع فيروسات عنيدة يحتاج القضاء عليها إلى وضع الأدوات في مواد معقمة لساعات وعند درجات تسخين عالية.

كما تتضمن التوصيات الضرورية التي تشاركها نور، عبر رصيف22، "أن تتابع كل سيدة صحتها الجنسية وتراقبها. مثلاً، إذا كانت لديها رغبة في الخضوع لجلسات الليزر، من المهم أن تتعرّض لكشف قبل الخضوع سريرياً لمعرفة أنها سليمة من الفيروسات، وإن كانت مصابةً فعليها البدء بالعلاج لتقليل العدوى قبل حدوثها".

وفي الشأن نفسه، تؤكد نور، أنّ بعض الفيروسات تصل إلى أسابيع أو أشهر حتى تبدأ أعراض الإصابة بها بالظهور، وبعضها تنتقل إلى عنق الرحم بمرور السنوات لتتحول العدوى الفيروسية إلى سرطانات".

شيرين ماجد، التي تبلغ من العمر 22 عاماً، من بغداد، تفاجأت بظهور شعر كثيف وخشن في منطقة العانة. تصفه بأنه أقرب إلى "شعر لحية". وتضيف أنها وجدت في منطقة الرابعة في العاصمة العراقية، خلال زيارة صديقتها، "صالون حلاقة يقدّم عروض الليزر. كانت الجلسة بعشرة آلاف دينار عراقي (نحو 7 دولارات)، والجسم كاملاً بعشرين ألفاً (أقل من 15 دولاراً). لدى سماعي العرض، كدت أطير من الفرحة ولم أتردد في عمل جلسة وحجزت جلستَين".

وتتابع حديثها بالقول: "تفاقمت مشكلة ظهور الشعر. وبعد زيارة الطبيب أوضح لي أنّ سبب كثافة الشعر يرجع إلى جلسة الليزر. ونصحني بأن أعمل جلسات دون توقّف لكن بالشكل المناسب، وتحت إشراف متخصص/ ة إلى أن يختفي الشعر".

المتخصّصة في استخدام أجهزة الليزر، هيا طالب، تعمل في مركز تجميلي تحت إشراف الأطباء، تقول لرصيف22، إنّ "جهاز الليزر هو جهاز حساس، لذا نستشير طبيب/ ة التجميل المتخصص/ ة قبل الضربات، ونستقبل في مركزنا عشرات الحالات المأساوية التي تكون متضررةً نفسياً أيضاً بسبب ضربات الليزر الخطأ التي أدت إلى نتائج عكسية". 

وتتابع حديثها عن النتائج العكسية الأكثر شيوعاً، قائلةً إنّ "اسمرار البشرة وتحوّل لونها من الطبيعي إلى البني الغامق يحدث نتيجة الحروق، وعلاجه يتطلب جلسات تقشير ومتابعة مستمرة. لكن غالبية النساء لا يُكملن العلاج، لأنّ من يخضعن للّيزر في صالونات تفتقر إلى الخبرة غالباً ما ينتمين إلى طبقات فقيرة، فيكتفين بالاستشارة ولا يعدن لمتابعة الجلسات، فضلاً عن التهابات الجلد التي قد ترافق الحالة وتتفاقم بمرور الوقت".

وأيضاً تحذّر السيدات اللواتي يستخدمن الليزر، بأيدي أشخاص غير مؤهلين ولا متخصصين، شارحةً: "ثمة الشعر الوبري (الخفيف) والخشن… ولكلّ نوع جهاز خاص به وعدد ضربات معينة، والشعر الأبيض له طريقة خاصة".

وتضيف طالب، أنّ من الكوارث التي نسمعها خلال عملنا في المراكز التجميلية أنّ البيوت والمراكز والصالونات غير المرخصة تستخدم جلسات ليزر للنساء الحوامل ونحن لا نفعل ذلك على الإطلاق، لأنّ الطبيبات في المركز يحذّرون من الأمر على أقلّ تقدير من باب الحيطة.

وتشير كذلك إلى خطورة وأثر أشعة الليزر على العين، وما قد يترتب عليها من جفاف العين والمشكلات البصرية المؤقتة، لافتةً إلى أنه في البيوت والصالونات غير المرخصة لا تتوافر الخبرة لحماية من يستخدمون أجهزة الليزر أو الزبونات.

نصائح إضافية للسيدات 

من جهته، ينصح طبيب الجلدية إبراهيم الكناني، كل سيدة، بمعرفة طبيعة شعر جسدها وهذا الأمر تتم مناقشته مع الطبيب الخاص بها، ويحتاج إلى معرفة كم جلسة تحتاج كل سيدة وكم المدة الفاصلة بين جلسة وأخرى.

ويضيف: "تحتاج كل سيدة إلى عدد جلسات مختلف بما يتناسب مع طبيعة نمو الشعر ولونه، وتعدّ مرحلة بداية نمو الشعر أفضل مرحلة من أجل إزالة الشعر بواسطة الليزر، وبذلك يتمّ تحديد مواعيد الجلسات غالباً من أجل استهداف الشعر في بداية مرحلة النمو".

ويوضح الكناني: "شعر الوجه سريع النمو، لذلك يفضَّل توقيت موعد جلسات الليزر كل 4-5 أسابيع"، فيما "تختلف طبيعة نمو الشعر في المناطق الحساسة للمرأة وتُعدّ بطيئةً بعض الشيء، ما يتطلب تحديد موعد للجلسات كل 6-8 أسابيع".

"في البيوت والصالونات غير المرخصة لا تتوافر الخبرة لحماية من يستخدمون أجهزة الليزر أو الزبونات"... أزمة صالونات التجميل غير المرخصة في العراق تتفاقم

وينبّه الكناني أيضاً، إلى أنّ "بعض مناطق الجسم تتطلب من 8 إلى 10 أسابيع بحسب طبيعة نمو الشعر في تلك المناطق، وأنه من أجل الحصول على أفضل النتائج، يفضَّل أن تكون المدة بين الجلسات متساويةً لمدة 6-8 جلسات لضمان تحقيق الاستفادة الكاملة".

وتعتمد المدة بين جلسات الليزر بشكل كبير على العوامل الآتية للشعر: طبيعته، ولونه، وسماكته، ومناطق ظهوره، وفق الكناني الذي يوصي بأنه ينبغي قبل جلسة الليزر "تجنّب إزالة الشعر من جذوره والاعتماد على شفرات معقّمة وصحية، وتجنّب التعرض للشمس، وترطيب البشرة".

بمجرد الانتهاء من عدد الجلسات المحدد من قبل الطبيب أو أخصائي الليزر، تجب متابعة نمو الشعر بعد ذلك، فبعض السيدات ينمو الشعر لديهنّ مرةً أخرى بعد مرور أشهر عدة لكن يظهر بشكل خفيف جداً وصغير، في حين يلاحظ البعض من السيدات نمو الشعر بعد سنوات من العلاج، كما أنّ هناك أشخاصاً لا ينمو الشعر لديهنّ مرةً أخرى مدى الحياة ولكن هذا الأمر نادر.

إلى ذلك، "الاهتمام بالصحة هو مفتاح لحياة ناجحة، وعلى النساء استثمار ذلك ومراجعة الطبيب المتخصص في حال حدث أي ضرر لاستمرار ديمومتها"، يختم الكناني.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard
Popup Image